كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وروي عن جُبَير بن مطعم أنه قال: وضع الرجل نعليه بين قدميه بدعة.
الرابعة: فإن تحقق فيهما نجاسة مُجمَع على تنجيسها كالدم والعذرة من بول بني آدم لم يطهّرها إلا الغسل بالماء، عند مالك والشافعي وأكثر العلماء، وإن كانت النجاسة مختلفًا فيها كبول الدواب وأرواثها الرطبة فهل يطهّرها المسح بالتراب من النعل والخفّ أو لا؟ قولان عندنا.
وأَطلقَ الإجزاء بمسح ذلك بالتراب من غير تفصيل الأوزَاعيُّ وأبو ثور.
وقال أبو حنيفة: يزيله إذا يبس الحكُّ والفركُ، ولا يزيل رطبه إلا الغسل ما عدا البول، فلا يجزىء فيه عنده إلا الغسل.
وقال الشافعي: لا يطهّر شيئًا من ذلك كله إلا الماء.
والصحيح قول من قال: إن المسح يطهّره من الخفّ والنعل؛ لحديث أبي سعيد.
فأما لو كانت النعل والخفّ من جلد ميتة فإن كان غير مدبوغ فهو نجس باتفاق، ما عدا ما ذهب إليه الزُّهريّ والليث، على ما تقدمّ بيانه في سورة النحل.
ومضى في سورة براءة القول في إزالة النجاسة والحمد لله.
الخامسة: قوله تعالى: {إِنَّكَ بالواد المقدس طُوًى} المقدّس: المطهَّر.
والقُدْس: الطهارة، والأرض المقدّسة أي المطهرة؛ سميت بذلك لأن الله تعالى أخرج منها الكافرين وعمرها بالمؤمنين.
وقد جعل الله تعالى لبعض الأماكن زيادة فضل على بعض؛ كما قد جعل لبعض الأزمان زيادة فضل على بعض، ولبعض الحيوان كذلك.
ولله أن يفضل ما شاء.
وعلى هذا فلا اعتبار بكونه مقدسًا بإخراج الكافرين وإسكان المؤمنين؛ فقد شاركه في ذلك غيره.
و{طُوًى} اسم الوادي عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما.
وقال الضحاك: هو واد عميق مستدير مثل الطَّوِيّ.
وقرأ عِكْرمة {طِوًى}.
الباقون {طُوًى}.
قال الجوهري: {طوى} اسم موضع بالشام، تكسر طاؤه وتضم، ويصرف ولا يصرف، فمن صرفه جعله اسم واد ومكان وجعله نكرة، ومن لم يصرفه جعله بلدة وبقعة وجعله معرفة وقال بعضهم: {طُوًى} مثل طِوًى وهو الشيء المَثْنِيُّ، وقالوا في قوله: {المقدس طُوًى}: طُوِيَ مرتين أي قُدِّس.
وقال الحسن: ثُنِيَتْ فيه البركة والتقديس مرّتين.
وذكر المهدوي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه قيل له {طوى} لأن موسى طواه بالليل إذ مرّ به فارتفع إلى أعلى الوادي؛ فهو مصدر عمل فيه ما ليس من لفظه، فكأنه قال: {إِنك بِالوادِ المقدس} الذي طويته طوى؛ أي تجاوزته فطويته بسيرك.
الحسن: معناه أنه قدّس مرتين؛ فهو مصدر من طويته طوى أيضًا.
قوله تعالى: {وَأَنَا اخترتك} أي اصطفيتك للرسالة.
وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو وعاصم والكسائي {وَأَنَا اخترتك}.
وقرأ حمزة {وَأَنَّا اخْتَرْنَاكَ}.
والمعنى واحد؛ إلا أنّ {وَأَنَا اخترتك} ها هنا أولى من جهتين: إحداهما: أنها أشبه بالخط، والثانية: أنها أولى بنسق الكلام؛ لقوله عز وجل: {يا موسى إني أَنَاْ رَبُّكَ فاخلع نَعْلَيْكَ} وعلى هذا النَّسق جرت المخاطبة؛ قاله النحاس.
قوله تعالى: {فاستمع لِمَا يوحى} فيه مسألة واحدة قال ابن عطية: وحدثني أبي رحمه الله قال: سمعت أبا الفضل الجوهري رحمه الله تعالى يقول: لما قيل لموسى صلوات الله وسلامه عليه: {فاستمع لِمَا يوحى} وقف على حجر، واستند إلى حجر، ووضع يمينه على شماله، وألقى ذقنه على صدره، ووقف يستمع، وكان كل لباسه صوفًا.
قلت: حسن الاستماع كما يجب قد مدح الله عليه فقال: {الذين يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أولئك الذين هَدَاهُمُ الله} [الزمر: 18] وذم على خلاف هذا الوصف فقال: {نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ} [الإسراء: 47] الآية.
فمدح المنصت لاستماع كلامه مع حضور العقل، وأمر عباده بذلك أدبًا لهم، فقال: {وَإِذَا قرئ القرآن فاستمعوا لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] وقال ها هنا: {فاستمع لِمَا يوحى} لأن بذلك ينال الفهم عن الله تعالى.
روي عن وهب بن منبّه أنه قال: مِن أدب الاستماع سكون الجوارح وغَضّ البصر، والإصغاء بالسمع، وحضور العقل، والعزم على العمل، وذلك هو الاستماع كما يحب الله تعالى؛ وهو أن يكفّ العبد جوارحه، ولا يشغلها.
فيشتغل قلبه عما يسمع، ويغضّ طرفه فلا يلهو قلبه بما يرى، ويحصر عقله فلا يُحدِّث نفسه بشيء سوى ما يستمع إليه، ويعزم على أن يفهم فيعمل بما يفهم.
وقال سفيان بن عُيينة: أوّل العلم الاستماع، ثم الفهم، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر؛ فإذا استمع العبد إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام بنية صادقة على ما يحب الله أفهمه كما يحب، وجعل له في قلبه نورًا.
قوله تعالى: {إنني أَنَا الله لا إله إلا أَنَاْ فاعبدني وَأَقِمِ الصلاة لذكري} فيه سبع مسائل:
الأولى: اختلف في تأويل قوله: {لِذِكرِي} فقيل: يحتمل أن يريد لتذكرني فيها، أو يريد لأذكرك بالمدح في عليين بها، فالمصدر على هذا يحتمل الإضافة إلى الفاعل وإلى المفعول.
وقيل: المعنى؛ أي حافظ بعد التوحيد على الصلاة.
وهذا تنبيه على عظم قدر الصلاة إذ هي تضرع إلى الله تعالى، وقيام بين يديه؛ وعلى هذا فالصلاة هي الذكر.
وقد سمى الله تعالى الصلاة ذكرًا في قوله: {فاسعوا إلى ذِكْرِ الله} [الجمعة: 9].
وقيل: المراد إذا نسيت فتذكرت فصلِّ كما في الخبر «فليصلِّها إذا ذَكَرها».
أي لا تسقط الصلاة بالنسيان.
الثانية: روى مالك وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من نام عن صلاة أو نسيها فليصلِّها إذا ذَكَرها فإن الله عز وجل يقول: {وَأَقِمِ الصلاة لذكري}» وروى أبو محمد عبد الغني بن سعيد من حديث حجاج بن حجاج وهو حجاج الأول الذي روى عنه يزيد بن زُرَيع قال: حدّثنا قتادة عن أنس بن مالك قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يرقد عن الصلاة ويغفل عنها قال: «كفارتها أن يصليها إذا ذكرها» تابعه إبراهيم بن طَهْمان عن حجاج، وكذا يروي همام بن يحيى عن قتادة.
وروى الدارقطنيّ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها» فقوله: «فليصلِّها إذا ذكرها» دليل على وجوب القضاء على النائم والغافل، كثرت الصلاة أو قَلَّت، وهو مذهب عامّة العلماء.
وقد حكي خلاف شاذ لا يعتد به، لأنه مخالف لنص الحديث عن بعض الناس فيما زاد على خمس صلوات أنه لا يلزمه قضاء.
قلت: أمر الله تعالى بإقامة الصلاة، ونص على أوقات معينة، فقال: {أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس} [الإسراء: 78] الآية وغيرها من الآي.
ومن أقام بالليل ما أمر بإقامته بالنهار، أو بالعكس لم يكن فعله مطابقًا لما أمر به، ولا ثواب له على فعله وهو عاصٍ؛ وعلى هذا الحد كان لا يجب عليه قضاء ما فات وقته.
ولولا قوله عليه الصلاة والسلام: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلِّها إذا ذَكَرها» لم ينتفع أحد بصلاة وقعت في غير وقتها، وبهذا الاعتبار كان قضاء لا أداء؛ لأن القضاء بأمر متجدّد وليس بالأمر الأول.
الثالثة: فأما من ترك الصلاة متعمدًا، فالجمهور أيضًا على وجوب القضاء عليه، وإن كان عاصيًا إلا داود.
ووافقه أبو عبد الرحمن الأشعري الشافعي، حكاه عنه ابن القصّار.
والفرق بين المتعمد والناسي والنائم، حط المأْثَم؛ فالمتعمد مأثوم وجميعهم قاضون.
والحجة للجمهور قوله تعالى: {وَأَنْ أَقِيمُواْ} ولم يفرق بين أن يكون في وقتها أو بعدها.
هو أمر يقتضي الوجوب.
وأيضًا فقد ثبت الأمر بقضاء النائم والناسي، مع أنهما غير مأثومين، فالعامد أولى.
وأيضًا قوله: «من نام عن صلاة أو نسيها» والنسيان الترك؛ قال الله تعالى: {نَسُواْ الله فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67] و{نَسُواْ الله فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} [الحشر: 19] سواء كان مع ذهول أو لم يكن؛ لأن الله تعالى لا يَنْسى وإنما معناه تركهم و{مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا} [البقرة: 106] أي نتركها.
وكذلك الذكر يكون بعد نسيان وبعد غيره.
قال الله تعالى: «من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي» وهو تعالى لا ينسى فيكون ذكره بعد نسيان وإنما معناه عَلِمت.
فكذلك يكون معنى قوله: «إذا ذكرها» أي علمها.
وأيضًا فإن الديون التي للآدميين إذا كانت متعلقة بوقت، ثم جاء الوقت لم يسقط قضاؤها بعد وجوبها، وهي مما يسقطها الإبراء كان في ديون الله تعالى ألا يصح فيها الإبراء أولى ألا يسقط قضاؤها إلا بإذن منه.
وأيضًا فقد اتفقنا أنه لو ترك يومًا من رمضان متعمدًا بغير عذر لوجب قضاؤه فكذلك الصلاة.
فإن قيل فقد روي عن مالك: من ترك الصلاة متعمدًا لا يقضي أبدًا.
فالإشارة إلى أن ما مضى لا يعود، أو يكون كلامًا خرج على التغليظ؛ كما روي عن ابن مسعود وعليّ: أن من أفطر في رمضان عامدًا لم يكفِّره صيام الدهر وإن صامه.
ومع هذا فلابد من توفية التكليف حقه بإقامة القضاء مقام الأداء، وإتباعه بالتوبة، ويفعل الله بعد ذلك ما يشاء.
وقد روى أبو المُطَوَّس عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أفطر يومًا من رمضان متعمدًا لم يجزه صيام الدهر وإن صامه» وهذا يحتمل أن لو صح كان معناه التغليظ؛ وهو حديث ضعيف خرجه أبو داود.
وقد جاءت الكفارة بأحاديث صحاح، وفي بعضها قضاء اليوم؛ والحمد لله تعالى.
الرابعة: قوله عليه الصلاة والسلام: «من نام عن صلاة أو نسيها» الحديث؛ يخصص عموم قوله عليه الصلاة والسلام: «رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ» والمراد بالرفع هنا رفع المأثم لا رفع الفرض عنه، وليس هذا من باب قوله: «وعن الصبي حتى يحتلم» وإن كان ذلك جاء في أثر واحد؛ فقف على هذا الأصل.
الخامسة: اختلف العلماء في هذا المعنى فيمن ذكر صلاة فائتة وهو في آخر وقت صلاة، أو ذكر صلاة وهو في صلاة، فجملة مذهب مالك: أن من ذكر صلاة وقد حضر وقت صلاة أخرى، بدأ بالتي نسي إذا كان خمس صلوات فأدنى، وإن فات وقت هذه.
وإن كان أكثر من ذلك بدأ بالتي حضر وقتها، وعلى نحو هذا مذهب أبي حنيفة والثوري والليث؛ إلا أن أبا حنيفة وأصحابه قالوا: الترتيب عندنا واجب في اليوم والليلة إذا كان في الوقت سعة للفائتة ولصلاة الوقت.
فإن خشي فوات الوقت بدأ بها، فإن زاد على صلاة يوم وليلة لم يجب الترتيب عندهم.
وقد روي عن الثوري وجوب الترتيب، ولم يفرق بين القليل والكثير.
وهو تحصيل مذهب الشافعي.
قال الشافعي: الاختيار أن يبدأ بالفائتة ما لم يخف فوات هذه، فإن لم يفعل وبدأ بصلاة الوقت أجزأه.
وذكر الأثرم أن الترتيب عند أحمد واجب في صلاة ستين سنة فأكثر.
وقال: لا ينبغي لأحد أن يصلي صلاة وهو ذاكر لما قبلها لأنها تفسد عليه.
وروى الدَّارَقُطْني عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال عليه الصلاة والسلام: «إذا ذكر أحدكم صلاة وهو في صلاة مكتوبة فليبدأ بالتي هو فيها فإذا فرغ منها صلى التي نسي» وعمر بن أبي عمر مجهول.
قلت: وهذا لو صح كان حجة للشافعي في البداءة بصلاة الوقت.
والصحيح ما رواه أهل الصحيح عن جابر بن عبد الله: أن عمر يوم الخندق جعل يسب كفار قريش، وقال: يا رسول الله والله ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فوالله إِنْ صَلَّيتُها» فنزلنا البطحان فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوضأنا فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب، وهذا نصٌّ في البداءة بالفائتة قبل الحاضرة، ولاسيما والمغرب وقتها واحد مضيَّق غير ممتد في الأشهر عندنا، وعند الشافعي كما تقدم.
وروى الترمذي عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه: أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق، حتى ذهب من الليل ما شاء الله تعالى، فأَمر بالأذان بلالًا فقام فأذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء.
وبهذا استدل العلماء على أن من فاتته صلاة قضاها مرتبة كما فاتته إذا ذكرها في وقت واحد.
واختلفوا إذا ذكر فائتة في مضيَّق وقت حاضرة على ثلاثة أقوال: يبدأ بالفائتة وإن خرج وقت الحاضرة، وبه قال مالك والليث والزهري وغيرهم كما قدّمناه.
الثاني: يبدأ بالحاضرة وبه قال الحسن والشافعي وفقهاء أصحاب الحديث والمحاسبي وابن وهب من أصحابنا.
الثالث: يتخير فيقدم أيتهما شاء، وبه قال أشهب.
وجه الأول: كثرة الصلوات ولا خلاف أنه يبدأ بالحاضرة مع الكثرة؛ قاله القاضي عياض.
واختلفوا في مقدار اليسير؛ فعن مالك: الخمس فدون، وقد قيل: الأربع فدون لحديث جابر؛ ولم يختلف المذهب أن الست كثير.
السادسة: وأما من ذكر صلاة وهو في صلاة؛ فإن كان وراء الإمام فكل من قال بوجوب الترتيب ومن لم يقل به {يقول}، يتمادى مع الإمام حتى يكمل صلاته.
والأصل في هذا ما رواه مالك والدارقطني عن ابن عمر قال: إذا نسي أحدكم صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليصل مع الإمام فإذا فرغ من صلاته فليصلّ الصلاة التي نسي ثم ليعد صلاته التي صلّى مع الإمام، هذا لفظ الدارقطني؛ وقال موسى بن هارون: وحدثناه أبو إبراهيم التَّرْجُمانيّ، قال: حدثنا سعيد {به} ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووهم في رفعه، فإن كان قد رجع عن رفعه فقد وفق للصواب.
ثم اختلفوا؛ فقال أبو حنيفة وأحمد بن حنبل: يصلي التي ذكر، ثم يصلي التي صلى مع الإمام إلا أن يكون بينهما أكثر من خمس صلوات؛ على ما قدمنا ذكره عن الكوفيين.